
اخترعها فريق سويدي يأمل إنتاجها تجارياً
بعد بضع سنين من الآن، ربما سنسمع كثيراً هذه العبارة: “يا أمي، أين سأرمي بطاريتي؟” فترد الأم “ارمها في حديقة المنزل يا عزيزي، فهي بطارية تتلف بشكل لا يضر بالبيئة” . هذا ما يقوله لنا باحثون سويديون نجحوا في اختراع نوع من البطاريات القابلة للتلف والتي لا تضر بالبيئة أبداً لأنها مكونة من الورق والماء المالح .
يكثر استخدام الإنسان للبطاريات بكل أنواعها وأشكالها وأحجامها، فإذا أردنا أن نحصي أعدادها وأنواعها فربما لن نتمكن من إجراء ذلك بسرعة لأنها تدخل تقريباً في كل أعمالنا اليومية بدءاً من ساعة اليد وانتهاء بالسيارة .
يصل استهلاك المنزل الأوروبي الواحد إلى 50 بطارية سنوياً أي ما يعادل مليار بطارية لمدينة بحجم باريس سنوياً . ومن المعروف أن ثلثي هذه البطاريات ينتهي في الطبيعة على هيئة مواد محترقة أو مطروحة على الأرض لتتحلل بشكل بطيء وشديد الضرر بالتربة والبيئة بشكل عام، لأن جل هذه البطاريات يحتوي على الرصاص والزئبق والليثيوم والأحماض الأخرى وكل ما يمكن تخيله من مواد ضارة ومؤذية للبيئة والإنسان معاً . هذا بالطبع بغض النظر عن الكمية الكبيرة من الطاقة التي يتطلب استهلاكها لصنع هذه البطاريات .
من هذا المنطلق يرى الباحثون السويديون أنه يجب من خلال اختراعهم أن نقول وداعاً للهدر بكل أشكاله ولكن قبل أن نشرع في مناقشة فكرتهم والتعرف إلى اختراعهم يجدر بنا التعرف إلى حياة هذه البطاريات وطريقة عملها . فالبطارية هي أداة تستخدم لتحويل الطاقة الكيميائية إلى كهرباء، أما الكهرباء فهي سريان وانتقال للإلكترونيات . وفيما يتعلق بالمكونات الرئيسية للبطارية فتتضمن إلكترونين مصنوعين من مادة صلبة، أحدهما موجب الشحنة والآخر سالب الشحنة ويوجد بين القطبين سائل غني بالأيونات يسمى إلكتروليت . أما الأيونات فهي ذرات فقدت أو اكتسبت إلكترونات فإذا فقدت الذرات الإلكترونات تكون أيونات موجبة وإذا اكتسبت إلكترونات تكون أيونات سالبة الشحنة . مثلاً عند توصيل “لمبة” بين قطبي البطارية يحدث تفاعل كيميائي بين الإلكترودين والإلكتروليت وتكون النتيجة أن كل المجموعة تطرح الإلكترونات فتسري هذه في الأسلاك فتضيء “اللمبة” ثم تعود الإلكترونات ثانية إلى البطارية عن طريق الإلكترود المضاد، وهذا ما يجعل “اللمبة” تضيء طالما أن هناك أيونات في الإلكتروليت .
المسحوق السحري
كل ما يوجد في البطاريات التقليدية من المواد الملوثة الضارة، سواء تعلق الأمر بالإلكترودات أو بالإلكتروليت (السائل)، ولهذا يتوجب علينا عند انتهاء الفترة المحددة للبطارية التخلص منها بحذر وعدم طرحها في أماكن ساخنة، بل يجب أن نضعها في أماكن يمكن من خلالها جمعها وإعادة تدويرها .
والعمل الذي قام به الباحثون السويديون هو إعادة قلب نظام عمل البطارية رأساً على عقب باستبدال الأوراق بالإلكترودات والماء المالح بالإلكتروليت .
والسر في هذه البطارية الجديدة يتمثل في المسحوق الذي يغطي الإلكترودات الورقية والذي يسمى (بوليبيرول) وهو مادة مكونة من الكربون والهيدروجين والآزوت فقط، أي من المواد التي يتكون منها كل كائن حي . ومن هذا الأمر نرى أن المسحوق عبارة عن مادة عضوية يمكنها أن تتفكك بشكل طبيعي في الطبيعة، على حد قول ليف نيهولم أحد الباحثين السويديين المشاركين في الاختراع .
ويشير الباحث إلى أن المشكلة الوحيدة في هذا المسحوق أنه أسود اللون ولا يمكن استخدامه كما هو كإلكترود، بل لا بد من مده ولصقه فوق سطح مستو، لافتاً إلى تركيب عدد من البطاريات التجريبية بهذه الطريقة لكنها كانت بطاريات كبيرة الحجم لأنه لا بد لسطح الاتصال أن يكون كبيراً لتحدث عملية التفاعل الكيميائي . ويعني ذلك أن الباحثين لم يتمكنوا من إنتاج بطاريات صغيرة من خلال هذا المركب (المسحوق العضوي والماء المالح) .
لم يتوقف الباحثون السويديون عن التفكير في طريقة ناجعة لبلوغ الهدف المراد، ولذا فكروا في الجمع بين البوليبيرول ودعامة صلبة يكون سطحها عريضاً . وتوصل الباحثون إلى دعامة من الورق مستخرجة من نبات بحري يسمى (كلادوفورا) .
المثير في الأمر أن جراماً واحداً من هذه النبتة يمكن مده على سطح تبلغ مساحته 80 متراً مربعاً، أي ما يعادل ملعباً لكرة اليد . وخلافاً لمادة السيليلوز التي تستخدم لصنع الورق العادي، تتميز المادة السيليلوزية المستخرجة من هذا النبات بأنها ليست ملساء بل يعود كبر حجم سطحها إلى التغضنات الكثيرة الموجودة فيها .
وهكذا يمكن للباحثين أن يضعوا على كمية صغيرة جداً من الدعامة النباتية المستخرجة من (الكلادوفورا) كمية كبيرة من مادتهم السحرية البوليبيرول، أي بنفس الطريقة التي نطلي بها جداراً خشناً كثير التغضنات.
صفات فائقة
عند كل الأفكار السابقة نخرج بنتيجة واضحة عن البطارية الجديدة الثورية كما يصفها المخترعون السويديون . إننا نحتاج إلى نبات بحري وماء مالح ومسحوق سحري هذا كل شيء، لكن علينا أن نتعرف إلى ميزاتها الفائقة، فهذه البطارية يمكن شحنها خلال 11 ثانية فقط مقابل عشرات الدقائق لأفضل البطاريات الموجودة حالياً في الأسواق والمركبة من الليثيوم، فضلاً عن ذلك، فإن البطارية الخضراء لا تفقد إلا 6% من قدرتها التخزينية بعد 100 دورة (شحن تفريغ) . ويؤكد الفريق العلمي المنتج أنه اختبرها بكفاءة لأكثر من 1000 دورة . ولا شك أن الصفتين السابقتين للبطارية يجعلانها فريدة من نوعها على حد قول ماريا ستروم إحدى المشاركات في الاختراع . وتشير ستروم إلى أننا لا نحتاج لأي آلة دقيقة متخصصة لصنع هذه البطارية، بل يمكن لكل شخص أن يركبها لا سيما في الدول الفقيرة .
المشكلة الوحيدة التي مازال الباحثون يدرسون حلها تتمثل في الجهد الكهربي الذي تنتجه، إذ لا يزيد هذا الجهد عن الفولت الواحد، في حين أن الجهد الذي تولده بطاريات الليثيوم يصل إلى 4 فولت .
ومن هنا فإنه لإشعال “لمبة” نحتاج في الوقت الراهن إلى ما بين 5-6 بطاريات خضراء مجتمعة، لكن الباحث ليف نيهولم يقول: إننا لم نزل في المرحلة التجريبية وإذا سار كل شيء على ما يرام، سنتوصل في المستقبل القريب إلى إنتاج مثل هذه البطارية على المستوى التجاري والأمر لن يتجاوز الثلاث سنوات .